جولة داخل دماغي الثاني

هل سبق لك أن شعرت بالإحباط من فقدان المعرفة والمعلومات التي اكتسبتها على مر السنين؟ هل تعاني من صعوبة في تنظيم أفكارك وملاحظاتك؟ إذا كان الجواب نعم، فإن "الدماغ الثاني" قد يكون الحل الذي تبحث عنه! في هذه التدوينة، سنستكشف معًا كيف يمكنك بناء دماغ ثاني (Second Brain) يساعدك على تخزين وتنظيم كل شيء، من ملاحظاتك اليومية إلى المعرفة التخصصية، بطريقة مستدامة وفعالة!

ما هو الدماغ الثاني

ببساطة، الدماغ الثاني (Second Brain) هو بمثابة مساحة تخزينية، ورقية أو رقمية، تُستخدم لتخزين كل ما لا تستطيع الاحتفاظ به في دماغك البشري. يتضمن ذلك المعرفة الشخصية، اليوميات، المهام، وأي معلومات أخرى يصعب تذكرها بسبب محدودية قدرة الدماغ البشري على الاحتفاظ بالمعلومات. يتيح لك الدماغ الثاني القدرة على الاحتفاظ بالمعلومات والوصول إليها في أي وقت تريده، مما يجعله أداة قيمة لتنظيم حياتك وتحسين كفاءتك الشخصية.

لماذا أنشأت دماغًا ثانياً

إنشائي لدماغٍ ثانٍ كان وليد الحاجة، حيث إنني لطالما شعرت بإحباط كبير نتيجة فقدان المعلومات والمعرفة التي اكتسبها من خلال القراءة، أو البحث والتجريب، أو الدورات التدريبية. كنت أدوّن ملاحظاتي أحيانًا على ورق وأحيانًا أخرى كملاحظات رقمية مبعثرة بين نُظم وتطبيقات مختلفة، وفي كلتا الحالتين كانت بعض الملاحظات تتعرض للفقدان.

أصبح الموضوع جديًا منذ بضع سنوات عندما بدأت أدرس بعض المواضيع التخصصية مما فيه استثمار كبير للجهد والمال والوقت. لذلك قررت بجدية أن أنشئ دماغًا ثانيًا لحفظ كل مواردي بطريقة منظمة ومستدامة وأتجنب أن تضيع استثماراتي في نفسي هباءً منثورًا!

كيف أنشأت دماغي الثاني

بدأت إنشاء دماغي الثاني بوضع بعض المتطلبات التي يجب أن تتوفر في الأداة التي سأستخدمها كدماغٍ ثانٍ. وهذه المتطلبات هي:

  • نظام رقمي (لأن الورق سهل التلف والضياع)
  • سهل وسريع الاستخدام (لأنني أريد أن ألتقط ملاحظاتي بسرعة)
  • يدعم المزامنة السحابية (لأتمكن من الوصول لملاحظاتي من أي مكان ومن أي جهاز)

[3/1] البرنامج الذي أستخدمه

بعد البحث وتجريب عدة برامج، وبوضع المتطلبات أعلاه عين الاعتبار، البرنامج التي وقع عليها اختياري هو برنامج مجاني لتدوين الملاحظات اسمه Obsidian.

برنامج Obsidian ينطبق عليه بالفعل وصف "صفري الاحتكاك" (أو بالإنجليزية Zero Friction)، بمعنى أنه "لا يحتك بك" أو يعرقلك أثناء تسجيل ملاحظاتك أو ربطها ببعضها، مثل موقع الموسوعة الحرة (ويكيبيديا) بالضبط!

الميزة الأفضل في Obsidian هي أنه يتيح لك ربط الأفكار بسهولة أثناء الكتابة، أي أن تربط ملاحظة بأخرى في لمح البصر باستخدام مفتاح واحد على لوحة المفاتيح! هذه هي الميزة الأساسية التي جعلتني اتخذ القرار باستخدام Obsidian بشكل حصري. هذه الميزة متوفرة في برامج أخرى، منها برنامج Roam Research، والذي لم أجربه للأمانة، ولكنني أعتقد أن Obsidian يتفوق عليه في عدة أوجه:

  • برنامج Obsidian يوفر نسخة مجانية فيها كل ما تحتاج إليه لبناء دماغٍ ثانٍ.
  • برنامج Obsidian يدعم الإضافات المجتمعية (Community Plugins) مجانًا مما يجعله قابلًا للتوسع والتخصيص حسب متطلباتك.
  • برنامج Obsidian وراءه مجتمع حيوي كبير من المستخدمين والمطورين، لذلك فهو في تطور مستمر.
⚠︎ طبعًا لا أريد أن تتحول هذه التدوينة إلى مقارنة بين البرمجيات، فالأشخاص المختلفون قد يجدون برامجًا مختلفة أكثر فائدة لهم، بناءً على متطلباتهم وقدراتهم الرقمية. أنا فقط أشارككم أداتي المفضلة في حال كنتم مهتمين بمعرفة ذلك وترغبون في البدء من مكان ما بناءً على تجربة مجرِّب بدلًا من البدء من الصفر.

[3/2] كيف أُنظم دماغي الثاني

أعرف نظامين من نُظم تنظيم الملاحظات داخل الدماغ الثاني، وهما: PARA و Zettelkasten. أنصح المهتمين بمجال "إدارة المعرفة الشخصية (PKM)" بالقراءة عنهما أكثر، لكن باختصار:

  • نظام PARA هو نظام يعتمد على تقسيم المعلومات إلى أربع أقسام رئيسية: المشاريع (Projects)، المناطق (Areas)، الموارد (Resources)، والأرشيف (Archives). من أمثلة البرمجيات المستخدِمة لنظام PARA أذكُر برنامجي Notion و Evernote.
  • نظام Zettelkasten يعتمد على إنشاء ملاحظات صغيرة مترابطة يتم تنظيمها في شبكة من الروابط (Links) التي تساعد على تعزيز الاحتفاظ بالمعلومات وتوليد الأفكار الجديدة. يتميز النظام بمرونته وقدرته على النمو العضوي. من أمثلة البرمجيات المستخدِمة لنظام Zettelkasten أذكُر برنامجي Obsidian و Roam Research.

أما عن نفسي، وكما سترون أدناه، فإنني اتبع نظامًا هجينًا بين النظامين أعلاه، ولحسن حظي اختياري، برنامج Obsidian يدعم ذلك طبعًا!

دماغي الثاني يتألف من ثلاثة أقسام رئيسية:

  1. القسم الأول هو قسم المعرفة (Knowledge): أخزن في هذا القسم كل ملاحظاتي بطريقة منظمة وذلك باستخدام قوالب وتصنيفات محددة. بمعنى آخر، كل ملاحظة يتم كتابتها تبعًا لقالب محدد (Template) يحتوي على الحقول والبيانات الوصفية (Metadata) اللازمة للعثور عليها واستخدامها لاحقًا. على سبيل المثال:
    • لكل ملاحظة، أُضمّن المرحلة (Stage): أي هل هي "مسودة"، "قيد المراجعة"، أم "مكتملة"؟
    • لكل ملاحظة، أُضمّن ما إذا كانت الملاحظة بحاجة إلى التحديث في المستقبل أم لا.
    • لكل ملاحظة، أُضمّن الموضوع (Subject) الذي تندرج تحته الملاحظة. مثلًا، هل هي ملاحظة بخصوص "الإنتاجية" أم "الصحة النفسية"؟
  2. القسم الثاني هو الملف المهني (Portfolio): هذا القسم يحوي عينات من مخرجات المشاريع التي طبقت فيها معرفتي. أحتفظ بهذه العينات لاستخدامها لاحقًا لنشر المحتوى أو لاستعراضها في السيرة الذاتية ومقابلات العمل.
  3. القسم الثالث، والأخير، هو قسم التنظيم (Organization): هذا القسم يضم جميع القوالب (كقالب الملاحظات المذكورة أعلاه). يضم هذا القسم الفهرس (Index) الذي يحوي قائمة بكل المواضيع. كل ذلك في قسم واحد -مركزي- ليسهُل علي تحديثه. هذا القسم هو ما يجعل العمل يسير بسلاسة ونظام داخل الدماغ الثاني.

[3/3] سير العمل داخل دماغي الثاني

دعونا الآن نأخذ مثالًا بسيطًا عن كيفية سير العمل داخل دماغي الثاني. لنفترض أنني أريد إنشاء ملاحظة جديدة داخل دماغي الثاني. الخطوات كالتالي:
  • أولًا، أبدأ ببحث سريع (Search) في دماغي الثاني لأرى ما إذا كانت الملاحظة موجودة بالفعل. إذا كانت موجودة فأقوم بتحديث الملاحظة الموجودة بالمعلومات الجديدة. أما إن لم تكن موجودة، فأنشئ ملاحظة جديدة وأُعطيها اسماً. هذا يساعدني على تجنب إنشاء ملاحظات متكررة في نفس الموضوع.
  • ثانيًا، أبدأ في كتابة أو إضافة المعلومات الجديدة بدون تدقيق لغوي وبدون تركيز على المظهر لأن كل ذلك يمكن تعديل لاحقًا. المهم الآن هو التقاط المعلومات قبل أن تضيع مني أو أنساها.
  • ثالثًا، وبمجرد الانتهاء من إضافة المعلومات الجديدة، أبدأ في وضع البيانات الوصفية (Metadata) لضمان تصنيف الملاحظات وفهرستها بشكل صحيح. يشمل ذلك: تضمين حالة الملاحظة (Stage)، أي هل هي مسودة أم تحت المراجعة أم تم الانتهاء منها، ويشمل ذلك أيضًا ما إذا كانت الملاحظة بحاجة إلى تحديثات مستقبلية أم لا، بالإضافة إلى تضمين المواضيع (Subjects) التي تتعلق بها الملاحظة.
  • رابعًا وأخيراً، أقوم بربط الملاحظة بأي ملاحظات أخرى ذات علاقة باستخدام الروابط التشعبية.
هذه هي العملية الكاملة لإنشاء ملاحظة جديدة في عقلي الثاني. العملية لا تستغرق مني أكثر من 1-5 دقائق لكل ملاحظة.

لا يتوقف العمل هنا، فأنا أراجع ملاحظاتي بانتظام أسبوعياً وأحياناً شهرياً لأرى ما أن كانت هناك ملاحظات بحاجة إلى تحديث. قد يحتاج هذا لمجهود كبير في البداية، لكنه يصبح أسهل مع الوقت بفضل أنني:
  1. أُصنف كل ملاحظاتي التي تحتاج إلى مراجعة أو تحديث في المستقبل، وبالتالي يسهل علي الوصول إليها وتتبعها.
  2. بطبيعتي مواكب للمواضيع التي تهمني، وبالتالي فإن المراجعة والتحديث لا يتطلبان مني في العادة مجهودًا إضافيًا في البحث (Research)، حيث إنني أقوم بمراجعة وتحديث الملاحظات في نفس الوقت الذي أخصصه لقراءة النشرات البريدية، ومنشورات المنتديات، والورقات العلمية، وغيرها من المصادر.

كيف استفدت من دماغي الثاني

كما ذكرت أعلاه، ساعدني دماغي الثاني على تجنب فقدان المعرفة والمعلومات القيمة، ومنها بعض الملاحظات المهمة والمعرفة المتخصصة في مجال التسويق الرقمي التي اكتسبتها على مدى عام كامل من الاستثمار المكثف في التدريب والتجريب.

كما أن هناك فائدة ملموسة أخرى تمثلت في استخدام دماغي الثاني لتأليف محاضرة تدريبية للمؤسسات في مجال تحليل الأعمال (Business Analysis). استغرق مني ذلك بضع أيام فقط، فكُل ما كان علي فعله هو الغوص في دماغي الثاني، واستخراج ملاحظاتي منه، وتحويلها إلى شرائح مرئية (Slides). كان ذلك موفرًا كبيرًا للوقت، لذلك أرى نفسي بالتأكيد أكرر هذا الاستخدام في المستقبل لتأليف المزيد من الدورات والمحتوى بصفة عامة.

ومع ذلك، صناعة المحتوى ليست هي الاستخدام الوحيد للدماغ الثاني، خاصةً عند استخدام برنامج Obsidian، فبفضل الثروة الكبيرة من الإضافات (Plugins) المتاحة في Obsidian، فإنه يمكنك استخدام دماغك الثاني لأغراض متعددة، مثل إدارة المهام والمشاريع، متابعة مزاجك وصحتك النفسية، بل وحتى إنشاء موسوعة بأسرار لعبتك المفضلة!

نصائح لبناء دماغك الثاني

سينصح الكثيرون بأن تبدأ بوضع هدف واضح لدماغك الثاني وبناء نظام يخدم هذا الهدف، وهذا ما فعلته أنا. ولكن، إن كنت من الأشخاص الذين ينشغلون ويغرقون في التخطيط، فأنصحك أن تبدأ فورًا بتدوين ملاحظاتك وتفريغ ذهنك من كل شيء، وتأجيل التخطيط وبناء النظام لوقت لاحق.

نفس المبدأ ينطبق على اختيار البرنامج: لا تستغرق وقتًا طويلًا في اختيار البرنامج الذي ستستخدمه لإدارة دماغك الثاني، فأي من الخيارات المذكورة في التدوينة تعتبر خيارًا جيدًا. سأنصحك بالطبع باستخدام برنامج Obsidian، أو أي نظام رقمي، بدلاً من استخدام الورق لأن الأخير سهل الضياع وغير قابل للبحث أو الفهرسة بسهولة.

لقد أصبح إنشاء دماغٍ ثانٍ جزءًا لا يتجزأ من حياة الكثيرين الذين يسعون إلى تنظيم معرفتهم وتحسين إنتاجيتهم. من خلال استخدام أدوات مثل برنامج Obsidian، يمكن تحويل الفوضى إلى نظام مستدام يُسهِّل الوصول إلى المعلومات وتحديثها   بانتظام. جرب بنفسك، وابدأ في بناء دماغك الثاني لتستفيد من كل قطعة معرفة تكتسبها، وتجعل حياتك أكثر إنتاجية وتنظيمًا!

الخلاصة

الدماغ الثاني (Second Brain) هو نظام تخزين رقمي أو ورقي يُستخدم لحفظ المعلومات التي يصعب الاحتفاظ بها في الدماغ البشري، مثل المعرفة الشخصية، والمهام، واليوميات، وغيرها. يساعد الدماغ الثاني في تنظيم الحياة وتحسين الكفاءة الشخصية.

لقد قمت بإنشاء دماغ ثاني بسبب إحساسي بالإحباط من فقدان المعلومات المهمة التي اكتسبتها عبر السنين. بعد البحث عن الأدوات المناسبة، اخترت برنامج Obsidian الذي يتميز بسهولة الاستخدام وقدرته على ربط الأفكار والملاحظات بشكل سريع ومنظم.

نظمت دماغي الثاني باستخدام نظام هجين بين PARA وZettelkasten، حيث قسمت محتوياته إلى ثلاثة أقسام رئيسية: المعرفة (Knowledge)، الملف المهني (Portfolio)، والتنظيم (Organization).

Document

جدول المحتويات

    لديك ملاحظات أو تصحيحات حول الموضوع المطروح؟ نرحب بمساهمتك وتقييمك! لا تتردد في التواصل معنا!

    أرسل لنا بريدًا إلكترونيًا

    التدوينات الأكثر قراءة

    طريقة GTD® للإنتاجية بدون توتر

    تذكير بأصول استخدام البريد الإلكتروني

    البريق الزائف للأرقام وتأثيره على نجاح المؤسسات