طريقة GTD® للإنتاجية بدون توتر

إن كنت تتطلع إلى التخلص من التوتر والضغوط اليومية وتحقيق مستويات غير مسبوقة من الإنتاجية، فإن اتباع طريقة GTD® هو الطريق المثالي لتحقيق ذلك. ستتعلم في هذه التدوينة كيف يمكن لهذه الطريقة أن تُحوّل حياتك وتنقلك إلى مستوى جديد من التنظيم والفعالية.

عندما كنت في مرحلة الدراسة الإعدادية، وأثناء وقوفي مع زملائي في طابور الصباح في ساحة المدرسة استعدادًا للتمارين الصباحية والنشيد الوطني، لفتت انتباهي معلمتي لمادة اللغة الإنجليزية، حيث كانت تمشي ثم توقفت فجأة، وفتحت حقيبتها وأخرجت منها دفترًا صغيرًا يشبه دفتر أرقام الهاتف، وبدأت تكتب فيه بسرعة. دفعني الفضول لسؤالها لاحقًا، فأخبرتني أنها تدون مهامها وأفكارها لتنظيم يومها، وأنها في تلك اللحظة كانت تسجل مهمة ما تذكرتها، وأرادت تسجيلها قبل أن تنساها.

تأثرت بالفكرة جدًا، وعدت إلى المنزل لأبدأ بتجربتها، مستخدمًا إحدى كراساتي لكتابة خطتي الدراسية ومواعيد امتحاناتي، ثم شاركت ذلك مع زملائي في الأيام التالية. استمرت معي هذه الممارسة، خصوصًا في مرحلة الدراسة الجامعية، ومع مرور الوقت، طورت نظامًا بسيطًا لإدارة مهامي. ولكن عندما تعرفت لاحقًا على طريقة GTD أثناء عملي في إحدى الشركات، أدركت أنها ما كنت أبحث عنه دائمًا، وأصبحت منذ ذلك الحين جزءًا لا يتجزأ من أسلوب حياتي.

ما هي طريقة GTD®

طريقة GTD®، أو طريقة إنجاز الأمور، هي نظام إنتاجية طوره ديڤيد ألين (David Allen)، وتم تفصيله في كتابه إنجاز الأمور (Getting Things Done): فن الإنتاجية الخالية من التوتر. تركز هذه الطريقة على التقاط المهام والأفكار وتنظيمها في نظام خارجي، مما يساعد على تحرير العقل للتنفيذ، وتقليل التوتر، وتحسين الكفاءة.

فلسفة طريقة GTD®

الفلسفة الرئيسية وراء GTD® هي أن العقل البشري ليس مصممًا لتخزين المعلومات بشكل فعال، بل لمعالجتها.

بمعنى آخر، أساس طريقة GTD® هو إخراج كل المهام والأفكار من دماغك ووضعها في نظام آخر موثوق به يمكنك الرجوع إليه في أي وقت لاحق، كأنه دماغٌ ثانٍ (Second Brain). هذا يساعدك على تحرير دماغك من الازدحام الذهني والتركيز على العمل الحالي، بدلاً من القلق بشأن ما يجب القيام به لاحقًا أو ما قد تكون نسيته من المهام.

فوائد طريقة GTD®

  • تحسين الإنتاجية: تساعد GTD® على التركيز على المهام المُهمة وتقليل الوقت الضائع في البحث عن المعلومات أو التفكير في المهام القادمة.
  • تقليل التوتر: تنظيم المهام والأفكار يمكنك من تخفيف الضغط النفسي الناجم عن الشعور بالضياع.
  • تنظيم أفضل للوقت: تَوفُّر نظامٍ واضح ومنظم لتتبع المهام والأفكار يمكنك من تحسين إدارة الوقت.
  • زيادة الرضا الشخصي: من تجربتي، تحقيق الإنجازات والهدوء الذهني يؤديان إلى زيادة الرضا الشخصي والثقة بالنفس.

خطوات طريقة GTD®

تتألف طريقة GTD® من خمس خطوات رئيسية:

[5/1] التقط (Capture)

الخطوة الأولى هي تجميع وتسجيل كل ما يشغل تفكيرك، سواء كان أفكارًا أو مهامًا، في مكان واحد اسمه السلة (Basket). السلة يمكن أن تكون دفترًا ورقيًا أو تطبيقًا على الهاتف المحمول أو أي نظام آخر، آمن، وموثوق، ويسهل الوصول إليه.

[5/2] وضّح (Clarify)

بعد تجميع الأفكار، يجب تحليلها وتصنيفها إلى: قابلة للتنفيذ (Actionable) أو غير قابلة للتنفيذ (Non-actionable):

    • إن كانت المهمة غير قابلة للتنفيذ (Non-actionable)، يتم إما مسحها (Trash) أو أرشفتها كمرجع (Reference). المهام التي ليس لها تاريخ استحقاق (Due Date)، وبالتالي فهي أيضًا غير قابلة للتنفيذ بعد، يتم التخطيط لإعادة النظر فيها في حين آخر (Incubate). هذا النوع من المهام يُتداول له اسم آخر وهو "يومًا ما" (أو بالإنجليزية: Someday/ Maybe)، وهي المهام التي لست على يقين تام أنك ستلتزم بها.
    • إن كانت المهمة قابلة للتنفيذ (Actionable)، اسأل نفسك: ما هو الإجراء التالي لتنفيذ هذه المهمة؟
      • إن كان الإجراء التالي يتألف من مجموعة من المهام المترابطة، فهذا يعتبر مشروعًا (Project)، وبالتالي يجب تقسيمه إلى المهام التي يتكون منها، والتعامل معها بأساليب وأدوات إدارة المشاريع التي تتماشى مع حجم وتعقيد المشروع (إدارة المشاريع خارج نطاق هذه التدوينة).
      • أما إن كان الإجراء التالي مجرد مهمة واحدة فقط، فلديك ثلاث خيارات: نفّذ، فوّض، أو أجّل:
        • نفّذ المهمة الآن (Do it now) إن كانت المهمة تتطلب دقيقتين أو أقل
        • فوّض المهمة (Delegate) لشخص آخر لينفذها، إن أمكن ذلك. إن كان التفويض في حد ذاته يتطلب دقيقتين أو أقل، فقم بالتفويض فورًا.
        • أجّل المهمة (Defer) لتخطط لتنفيذها بنفسك في وقت لاحق وذلك إن لم تتمكن من تنفيذها في أقل من دقيقتين أو تفويضها لشخص آخر.

[5/3] نظّم (Organize)

في هذه يتم تنظيم المهام والأفكار المؤجَّلة من الخطوة أعلاه (Defer) في مجموعات أو فئات مختلفة بدلًا من تجميعها كلها في قائمة طويلة يصعب تصفحها أو العمل عليها. على سبيل المثال:
    • يمكنك تنظيم المهام حسب السياق (Context): مهام المنزل، مهام العمل، مهام مشروع معين، إلخ
    • التنظيم حسب الوقت: المهام التي لها وقت تنفيذ معين نضعها في المفكرة (Calendar) أو في تطبيق الجوال الخاص بالتذكيرات
    • الأجندات (Agendas): مهام خاصة بالاجتماعات كمحاور الاجتماع
    • مهام تحت الانتظار (Waiting For): مهام تنتظر مهامًا أخرى يعمل عليها أشخاص آخرون
    • وهكذا… عدد الفئات وأنواعها يرجع إليك

[5/4] راجع (Review)

من المهم جدًا مراجعة النظام بشكل دوري، عادة أسبوعيًا، لضمان أن كل شيء محدَّث وذلك من خلال تكرار الخطوات الثلاث أعلاه.

[5/5] انخرط (Engage)

لا تقتصر طريقة GTD® على إنجاز المهام فقط، بل تتعلق بالانخراط الكامل فيها من خلال الحضور الذهني والتركيز فيما نقوم به في الخطوات الأربع السابقة. فبعد جمع، وتوضيح، وتنظيم المهام والقيام بمراجعة شاملة، تصبح القرارات التي نتخذها أكثر وضوحًا وفعالية. أي بدلاً من اتخاذ قرارات عشوائية مبنية على الضغوط اللحظية (The latest and loudest)، نصبح قادرين على اتخاذ خيارات مدروسة وموثوقة.

من ناحية أخرى، الانخراط لا يعني بالضرورة العمل بشكل أشد أو أسرع، فقد يتطلب الأمر في بعض الحالات بذل جهد إضافي، لكن في أحيان أخرى، قد يعني الانخراط أخذ فترة استراحة، التأمل، قضاء الوقت مع العائلة، أو حتى أخذ قيلولة قصيرة. الهدف النهائي هنا هو تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية، واتخاذ قرارات مدروسة بناءً على الصورة الكاملة للمهام والالتزامات. هذا يتطلب مرونة ووعيًا بالوقت والجهد المطلوبين لكل مهمة.

باختصار، الخطوة الخامسة، والأخيرة، في طريقة GTD® تركز على اتخاذ القرارات الصائبة بشأن كيفية قضاء الوقت والجهد، وذلك بناءً على فهم واضح للمهام والالتزامات.
⚠︎ أسماء الخطوات الخمس أعلاه مبنية على أحدث إصدار من كتاب GTD®، وكانت أسمائها في الإصدار القديم: جمّع (Collect)، عالج (Process)، نظّم (Organize)، خطّط (Plan)، ونفّذ (Do).

نصيحتان من مبتكر طريقة GTD®

تمكنت مؤخرًا من حضور دورة تدريبية عبر الإنترنت مع مبتكر طريقة GTD®، ديڤيد ألين، شارك في آخرها مجموعة من النصائح التي تهدف إلى تخفيف الرهبة الأولية عند الشروع في تطبيق طريقة GTD®، أذكر منها أهم نصيحتين:
  • ابدأ ببطء: لا تشعر بالضغط لتطبيق كل ممارسات GTD® دفعة واحدة. يمكنك البدء بخطوة واحدة مثل "قاعدة الدقيقتين" أو "قاعدة تحديد الإجراء التالي".
  • الاستمرارية والصبر: GTD® هي أسلوب حياة وتتطلب الوقت للتكيف، لذلك، لا تتوقع نتائج فورية.

تجربتي الشخصية مع طريقة GTD®

بعد سنوات من تطبيق GTD® في مهامي المهنية والشخصية، أصبحت خطواتها الخمس بالنسبة لي بسهولة التنفس. ما حفزني على الاستمرار هو أن GTD® ليست طريقة صعبة من الأصل، بل هي بديهية وتتماشى بسلاسة مع أسلوب عملي وحياتي. الحافز الآخر كان شعور الوضوح والراحة الذي ينتابني بعد جلسات المراجعة اليومية والأسبوعية التي أصبحت بمثابة جلسات علاج نفسي.

أقضي ~20-30 دقيقة في المراجعة اليومية لمهامي، وتشمل الرد على البريد الإلكتروني (Email) والإشعارات الأخرى. أقوم بالمراجعة اليومية في نهاية دوام كل يوم عمل. ومن ناحية أخرى، أقضي ~40-60 دقيقة في المراجعة الأسبوعية (Weekly Review)، عادة في نهاية دوام يوم الخميس، ولكنني مؤخرًا أصبحت لا أراجع كل أسبوع لأن المراجعة اليومية تنوب عن الأسبوعية في أغلب الأحيان بالنسبة لي.

أعتبر الوقت الذي أقضيه في إدارة مهامي استثمارًا جيدًا للوقت لأنه يجعلني أكثر تركيزًا وأقل توترًا في العمل والحياة بشكل عام. شاركت المزيد عن تجربتي مع طريقة GTD® في تدوينتي بعنوان ممارسات مجرَّبة لزيادة الإنتاجية.

وفي هذا الصدد، هناك استبيان عن إدارة الوقت أجراه موقع Timewatch.com في سنة 2022 استهدف 300 شخصًا من المملكة المتحدة والولايات المتحدة، وكان هناك سؤال في الاستبيان يقول: "إذا كانت إدارة الوقت بشكل أفضل توفر لك 90 دقيقة يوميًا، تقلل التوتر، وتحسن سمعتك في العمل، فما هو الحد الأقصى للوقت الذي ستقضيه يوميًا لتحقيق هذا المكسب؟"، كما ترون من الشكل البياني، 76٪ من المشاركين قالوا أنهم يمضون من 15-30 دقيقة يوميًا في إدارة وقتهم.

Bar Chart

طريقة GTD® والاحتراق الوظيفي (Occupational Burnout)

لا يمكنني الحديث عن الإنتاجية الخالية من التوتر دون التطرق إلى موضوع الاحتراق الوظيفي (Occupational Burnout).

يحدث الاحتراق الوظيفي عندما تتحمل أكثر مما تستطيع وتتجاهل جوانبًا أخرى مهمة كصحتك النفسية ورفاهيتك. اتباع طريقة GTD® لا يعني أن تقبل أي وكل مهمة تُوكل إليك، بل -وكما رأينا في مراحلها الخمس أعلاه- طريقة GTD® تساعدك على التركيز على الأمور المهمة والعاجلة بدلاً من محاولة القيام بكل شيء.

ذلك قريب جدًا من مفهوم آخر يُدعى الإنتاجية البطيئة (Slow Productivity) نشر عنه المؤلف كال نيوبورت (Cal Newport) في كتابه بعنوان "Slow Productivity: The Lost Art of Accomplishment Without Burnout"، أو بالعربي: "الإنتاجية البطيئة: الفن المفقود للإنجاز بدون احتراق".

باختصار، تركز الإنتاجية البطيئة على الجودة (Quality)، أي جودة مخرجات العمل، بدلاً من النشاط الظاهر (Visible Activity).

يمكن تحقيق ذلك من خلال:
  • القيام بأقل عدد من المهام لتحسين التركيز وجودة العمل
  • العمل بوتيرة طبيعية، أي تنسيق شدة العمل مع "الإيقاع الطبيعي" للحياة والعمل، وتجنب العمل المفرط المستمر
  • الاهتمام بالجودة من حيث التركيز على المهام المهمة وجودة مخرجاتها
في الختام، تُعد طريقة GTD® أداة فعّالة للتغلب على التوتر وزيادة الإنتاجية. من خلال إخراج المهام والأفكار من دماغك وتنظيمها في نظام موثوق، يمكنك تحقيق وضوح ذهني أكبر وتخفيف الضغط النفسي. بتطبيق خطوات GTD® الخمس ستتمكن من إدارة وقتك بشكل أفضل وتركيز جهودك على المهام الأكثر أهمية. تجلب هذه الطريقة التوازن بين العمل والحياة الشخصية، مما يعزز الشعور بالرضا الشخصي ويقلل من مخاطر الاحتراق الوظيفي. تذكر أن النجاح في تطبيق GTD® يتطلب الصبر والاستمرارية، لذا ابدأ ببطء وكن مستعدًا للتكيف مع الأسلوب الذي يناسبك.

الخلاصة

طريقة GTD®، أو طريقة إنجاز الأمور، هي نظام إنتاجية طوره ديڤيد ألين (David Allen)، وتم تفصيله في كتابه إنجاز الأمور (Getting Things Done): فن الإنتاجية الخالية من التوتر. تركز هذه الطريقة على التقاط المهام والأفكار وتنظيمها في نظام خارجي، مما يساعد على تحرير العقل للتنفيذ، وتقليل التوتر، وتحسين الكفاءة.

الفلسفة الرئيسية وراء طريقة GTD® هي أن العقل البشري ليس مصممًا لتخزين المعلومات بشكل فعال، بل لمعالجتها. إخراج كل المهام والأفكار من دماغك ووضعها في نظام موثوق به سيساعدك على تحرير دماغك من الازدحام الذهني والتركيز على المهام الحالية.

خطوات طريقة GTD®:

  1. التقط (Capture): تجميع وتسجيل كل ما يشغل تفكيرك في مكان واحد مثل دفتر أو تطبيق جوال.
  2. وضّح (Clarify): تحليل وتصنيف الأفكار والمهام إلى قابلة للتنفيذ أو غير قابلة للتنفيذ.
    • غير قابلة للتنفيذ: التصرف فيها يكون بمسحها أو أرشفتها أو تأجيلها.
    • قابلة للتنفيذ: تحديد الإجراء التالي:
      • نفّذ المهمة فورًا إن كانت المهمة تتطلب دقيقتين أو أقل.
      • فوّض المهمة إن أمكن لشخص آخر تنفيذها.
      • أجّل المهمة وخطط لتنفيذها لاحقًا بنفسك
  3. نظّم (Organize): تنظيم المهام المؤجلة في فئات مختلفة حسب السياق، أو الوقت، أو الأجندات.
  4. راجع (Review): مراجعة النظام بشكل دوري لضمان تحديثه.
  5. انخرط (Engage): الانخراط الكامل في المهام مع الحضور الذهني والتركيز على اتخاذ قرارات مدروسة.

تعتبر طريقة GTD® أداة فعالة للتغلب على التوتر وزيادة الإنتاجية من خلال إخراج المهام والأفكار من الدماغ وتنظيمها في نظام موثوق. بتطبيق خطوات GTD® الخمس، يمكنك تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية، مما يعزز الشعور بالرضا الشخصي ويقلل من مخاطر الاحتراق الوظيفي. تذكر أن النجاح فيها يتطلب الصبر والاستمرارية.

Document

جدول المحتويات

    لديك ملاحظات أو تصحيحات حول الموضوع المطروح؟ نرحب بمساهمتك وتقييمك! لا تتردد في التواصل معنا!

    أرسل لنا بريدًا إلكترونيًا

    التدوينات الأكثر قراءة

    تذكير بأصول استخدام البريد الإلكتروني

    البريق الزائف للأرقام وتأثيره على نجاح المؤسسات