5 تحيُّزات تهدد صحة قراراتنا
في البداية، يجب أن نعلم ونتقبل أننا جميعًا نمتلك تحيزات إدراكية، وأن هناك ما يفوق الخمسين نوعًا منها. تكمن خطورة التحيزات الإدراكية في كونها صعبة الاكتشاف وصعبة التغيير بمجرد أن تتغلغل فينا وتصبح جزءًا من شخصيتنا. هذا يُمكِن التحيزات الإدراكية من التسلل إلى ورش العصف الذهني، جلسات فهم وحل المشاكل، وغيرها من الاجتماعات المؤسساتية المهمة، مما يُعرض صحة المدخلات، والخلاصات، والقرارات للخطأ. لذلك، من المهم بناء قدرتنا على تمييز علامات التحيزات الإدراكية للتعامل معها بشكل مناسب. ذلك يشمل تمييز التحيزات في أنفسنا قبل غيرنا. أما إن كنا ناجحين في تمييز تحيزات الآخرين فقط فأن ذلك يعني أن رؤيتنا محجوبة بما يسمى النقطة العمياء للتحيز أو بالإنجليزية The Bias Blind Spot.
توهُّم الأنماط
أول أنواع التحيز التي أريد التحدث عنها هو توهُّم الأنماط (Clustering Illusion). يجعل هذا التحيز الشخص يرى أنماطًا وهمية في أحداث أو بيانات قليلة أو عشوائية، أو قد يجعله يُفسر الأحداث المقترنة ببعضها صدفةً على أن أحدها قد سبب الآخر (Correlation vs. Causation). قد يكون الخلل هنا في جهل الشخص بعلم البيانات، أو في أن البيانات المستخدمة قد تم تجميعها، أو تمثيلها، أو تفسيرها بشكل خاطئ، وما إلى ذلك.
التحيز العاطفي
التحيز العاطفي (Affect Heuristic) لا يحتاج إلى أية أدلة أو معلومات على الإطلاق، بل هو تحيز مبني على العاطفة بالدرجة الأولى، حيث يعتمد الشخص على مشاعره، سواء كانت إيجابية أو سلبية، لاتخاذ قرارات مهمة كان يجب أن يتم تقييمها من الأساس بشكل منطقي وتحليلي. على سبيل المثال، قد يميل مسؤول ما إلى تسريع تنفيذ مشروع معين لأنه متحمس له، ويتجاهل كل الأصوات والمؤشرات التي تقول له أن هناك مشروعًا آخرًا أكثر منه أهمية.
التحيز التأكيدي
من تجربتي الشخصية، أنا أعتقد أن التحيز التأكيدي (Confirmation Bias) هو أكثر أنواع التحيز انتشارًا لدينا. يحدث هذا التحيز عندما يبحث الشخص عن الأدلة والمعلومات التي تؤكد معتقداته، ويرفض أي دليل آخر يتعارض معها، دون إبداء أي اهتمام بجودة الأدلة التي يُستند عليها في التأييد أو الرفض، أي كمن يعتقد ثم يستدل بأي شيء يتماشى مع هواه. من علامات التحيز التأكيدي أن تجد الشخص نادرًا ما يعترف بحجة جيدة من الأشخاص الذين يختلف معهم، مهما قدموا له من أدلة، فهم دائمًا على خطأ. في العادة يكون الشخص الحامل لهذا النوع من التحيز متعصبًا لمنهجية، أو مبدأ، أو علامة تجارية معينة، ولا يريد السماع من الطرف الآخر.
الإجماع الخاطئ
ومن أكثر التحيزات التي تزعجني شخصيًا -خصوصًا في السياق الاجتماعي- هو تحيز الإجماع الخاطئ (False Consensus) والذي يجعل الشخص يبالغ في تقدير مدى اتفاق الآخرين معه، ويجعله ينظر إلى الأشخاص الذين يختلفون معه على أنهم قاصرو التفكير أو مخطئون. بمعنى آخر، يفترض هذا الشخص أن صفاته الشخصية، وخصائصه، وعاداته، ومعتقداته، وأفعاله منتشرة نسبيًا بين البشر، كأن يعتقد الشخص أن جميع البالغين يكرهون حضور الدورات عبر الإنترنت لأنه هو شخصيًا يكره ذلك.
تحيز التوافر
وهناك تحيز التوافر (Availability Heuristic) والذي هو تحيز يعتمد فيه الشخص على الأمثلة الفورية التي تتبادر إلى ذهنه عند اتخاذ قرار معين. يُبنى تحيز التوافر على أنه إذا كان من الممكن تذكر شيء ما بسرعة، فإن ذلك الشيء حتمًا مهم أو صحيح، أو على الأقل أكثر أهمية أو صحة من الأشياء الأخرى التي لا يتم تذكرها بسهولة. ومن الممكن أن يميل الشخص إلى الحُكم والتقييم بناءً على المعلومات الأحدث، مما يجعل آرائه وقراراته منحازة تجاه أحدث الأخبار، كأن يعتقد الشخص أن منتجًا ما هو أفضل من غيره لمجرد أنه رأى تغطية إعلامية حديثة عنه مؤخرًا، وهكذا.
كما ذكرت، هناك أنواع كثيرة من التحيز، وكلها تهدد قدرتنا على اتخاذ قرارات صائبة على الصعيدين الشخصي والمهني. قد نلاحظ أحد هذه التحيزات في أنفسنا، ونكره أن يصارحنا أحد بها، ولكن الوعي بها والنجاح في "ترويضها" سيحدث فارقًا كبيرًا على قراراتنا وصورتنا الاحترافية.
الخلاصة
التحيزات الإدراكية هي أنماط تلقائية من التفكير تؤدي إلى الحكم على الأمور بطرق غير دقيقة وغير موضوعية. تكمن أهمية فهم هذه التحيزات في قدرتها على التأثير السلبي على قراراتنا، سواء كنا ندرك ذلك أم لا.
من بين الأنواع المختلفة من التحيزات، يمكن ذكر بعض الأمثلة البارزة:
- توهّم الأنماط: يجعل الشخص يرى أنماطًا وهمية في أحداث أو بيانات عشوائية.
- التحيز العاطفي: يعتمد على العاطفة بدلاً من المنطق في اتخاذ القرارات.
- التحيز التأكيدي: يحدث عندما يبحث الشخص عن الأدلة التي تؤكد معتقداته.
- الإجماع الخاطئ: يجعل الشخص يبالغ في تقدير مدى اتفاق الآخرين معه.
- تحيز التوافر: يعتمد الشخص في قراراته على الأمثلة الفورية التي تتبادر إلى ذهنه.
تتطلب مواجهة التحيزات الإدراكية الوعي بها والقدرة على تمييزها في أنفسنا قبل الآخرين. النجاح في "ترويض" هذه التحيزات يمكن أن يحدث فارقًا كبيرًا في قراراتنا وصورتنا الاحترافية.